رسالة من مثليّ إلى المراجع الدينيّة بما يخصّ توصياتها إلى معالي وزير الداخليّة والبلديّات في لبنان لتقييد أيٍّ من اللقاءات التي تخصّ ما يسمّونه “الشذوذ الجنسيّ” والتي تتناقض مع مبادئ الأديان السماويّة

photo_5938443760700601889_x-1

رسالة من مثليّ إلى المراجع الدينيّة بما يخصّ توصياتها إلى معالي وزير الداخليّة والبلديّات في لبنان لتقييد أيٍّ من اللقاءات التي تخصّ ما يسمّونه “الشذوذ الجنسيّ” والتي تتناقض مع مبادئ الأديان السماويّة

مثليّ في لبنان ج . ت

الآراء الواردة بهذا المقال لا تعبر إلا عن رأي كاتبه ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر براود ليبانون



أيّها السادة 

لكن ماذا يعني أيّها السادة أن تُوصوا “قوى الأمن الداخلي” باتخاذ التدابير بكلّ لقاءٍ “للشذوذ الجنسيّ”؟ ألا سبيل سوى أن تتصرّفوا كما تصرّف الفريسيّون قبل قرابة ألفي عام حين رفعوا حجارتهم على مريم المجدليّة لرجمها، مُبرّرين قسوتهم بقولهم: “هكذا أمرنا موسى” أمام السيّد المسيح الذي قام بصدّهم؟

أيّها السادة 

ليتكم لم تتكلّموا!.. ليتكم احتفظتم بصمتكم الطويل واللاإنسانيّ أمّام كلّ تلك الفظائع والجرائم التي عانى منها المثليّون أو من تُسمّونهم “الشاذين جنسيًّا” حين أُحرِقوا، وأُلقي بهم من أعالي الأبنية، وذبحوا كالنعاج، وسُجنوا وضُيّق عليهم حتّى الموت، وتحمّلوا قُدرة الناس “الهائلة” وبراعتهم “اللامتناهية” في السخرية والتنمّر والأذى، ممّا دفعهم إلى أن يقوموا بأنفسهم بإيقاف قلوبهم عن الخفقان! وهم أناسٌ أبرياء لا ذنب لهم ولم يكن لهم يومًا حريّة اختيار توجّههم الجنسيّ! لكن لا شيء يُدهشني، فأنتم من لقّن ويُلقن الناس بحرصكم على ما تُسمّونه “مبادئ الأديان” أن يكونوا مُرتاحي الضمير حين يرون ضحاياهم من “الشاذين جنسيًّا” مُنبطحين، يُعانقون بؤسهم ويتمنّون الموت!.. أفلا توصي “مبادئ الدين” تلك بأنّ “المحبّة الأخويّة هي أهمّ من تصحيح الأخطاء”؟.. وأنّه ينبغي على كلّ إنسان أن يُحبّ الآخرين.. كلّ الآخرين! لأنّ الربَّ إلهنا هو “ربّ العالمين”؟
ألم يوصي النبيّ الكريم قائلاً: “إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”؟ 
لكن صدق حقًّا الشاعر اللبنانيّ نضال بليبل حين قال في قصيدةٍ بعنوان إلى داعرة

هبكِ انزلقت ألم يكن في وسعهم
فتّشتُ عن مُترفقٍ بك لم أجد
أنا لستُ أعجب من فجورك حائرًا
 أن يُنقذوكِ من الهلاكِ الأكبرِ
غير الحقود الشانئ المتهوّرِ
إنّي لأعجب منكِ إن لم تفجري

ليتكم لم تتكلّموا!.. لكي لا تُثبتوا لنا من جديد، أنّ بيوت الله تعالى المدعو “أرحم الراحمين” و”أبانا الذي في السماوات” كانت ومازالت ملاذًا ليس آمنًا لنا، وعليه ليس غريبًا أن ترفضوا كل علاقة حبٍّ عفيفٍ بين قلبين أرادا أن يعيشا عيشةً تقيّةً ونقيّة، ويُكلّلا برباط الزواج المقدّس، لتبسقوهما إلى خارج بركة السماء، وتُرسلوهما، بل وتُرسلونا جميعًا، من حيث تدرون أو لا تدرون، إلى حياة الدعارة!.. ليتمّ فينا قول الشاعر الحسين بن منصور الحلاج

مــا حيـلةَ العــبدِ والأقـــدارُ جـاريـةٌ
ألـقـاه فـي البـحر مكـتوفــًا وقـال لـه
 علـيه فـي كـلِّ حـالٍ أيـُّها الـرائـي
إيـّـاك إيـّـاك أن تـبـتـلّ فـي المــاءِ

فلقد صنع الله الإنسان- كلّ إنسان- ليكون أمامه دائمًا، وكلّ ما عدا ذلك سيُعرّضه حتمًا للتشويه

لكن صدّقوني أيّها السادة، أنّنا كمثليين نحترم حُرّيّة حِرصكم على “مبادئ الدين” التي أبعدتنا عنكم وعن بيوت الله، فقط دعونا وشأننا! أيُّ “مبادئ” هي هذه التي يمكن لها أن تدفعكم للحاق بنا من حيث هربنا منكم، لمُطاردتنا في الخارج بسطوة “قوى الأمن الداخلي” لتُدافعوا عن “حقّكم” في السيطرة على الفكر وحريّة الناس؟!.. أكاد لا أصدّق أنكم تستكثرون علينا أن نجتمع!.. أحقًا أنّ “مبادئ الدين” هي من أعطتكم ذلك السلطان؟!.. أنا أعلم أنّ الدين قد احترم حريّة الإنسان، فالسيّد المسيح قال للجميع: “إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَتبَعنِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ…”(لوقا 9: 23). وأيضًا: “هائنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ أَقْرَعُ. فإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ…” (رؤ 3: 20). ويقول القرآن الكريم: “فذكّر إنّما أنت مُذكّر لست عليهم بمُسيطر” (الغاشية 22) وأيضًا: “أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى  يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” (يونس 99). وأيضًا: “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” (الكهف 29)

أيّها السادة 

اليوم، مازلتُ أرى حالي بوصفي “مثليًّا” بينكم كحال متّى العشّار، ومازلتُ أرى فيكم أولائك الفريسيين الذين كانوا يقرفون منه ومعهم المجتمع كلّه، ويثورون على السيّد المسيح لمجرّد مُجالسة العشّارين… فأجابهم له المجد: “ليس الأصحّاء يحتاجون إلى طبيب بل المرضى” (متى 9: 12). فالإنسان الذي كرّمه الله بوصفهِ إنسانًا حتى طلب من الملائكة أن تسجد له: “إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا” (البقرة 34) يستحقّ من الدين أن يكون طبيبًا ويهتمّ بالعلاج، لا أن يرذُل ويرجم! وهنا أسأل: هل يوجد طبيبٌ في العالم جسديٌّ كان أم نفسيّ يستطيع أن يُقدّم علاجًا ناجحًا ما لم يُصغي إلى مريضه؟.. وإن كنتم لا تريدون أن تصغوا إلينا لعلاج ما سمّيتموه بـ “الظاهرة” فإلى من تُصغون؟

أيّها السادة 

المثليّة لا يُمكن أن تكون تُهمة!.. ولا يوجد مثليٌّ عاقل يقبل بملء إرادته الحرّة إختيار أن يكون مثليًا!.. وماذا يكسب؟ يكسب ِحقدَ الناس ومُجتمعًا يريدُ أن يقتله؟… أنا مثلاً أيقنتُ مُنذ كنتُ طفلاً في الرابعة عشرة من عمري أن مُيولي الجنسيّة تختلف عن ميول سائر أصدقائي، وبعدها دفعني الخوف إلى إخفائها خشيةً من الفضيحة، وكنتُ وما زلتُ إلى الآن أكلّم الله في سرّي وأسأله بدموع: “لماذا لم تترك لي حريّة اختيار ميولي الجنسيّة؟ لماذا سمحت بأن أكون مثليًّا؟” وكنتُ مُؤخرًا أتفهّم وأتعاطف مع أحد المعوّقين من المشلولين والعميان الذين تطوّعتُ لخدمتهم حين كان يبكي بحُرقة ويسأل الله تعالى قائلاً: “لما سمحت بأن يكون لي مثل هذا الطريق؟ لماذا أنا؟”… ولي صديقٌ من دمشق، من بيئة سُنيّة مُحافظة، أبلغ والديه منذ نعومة أظفاره بما يُخالجه من مشاعرَ مثليّة، فطمأناه والداه بأنّهما مازالا يُحبّانه ويقفان إلى جانبه، وسيدعمانه أيًّا يكن، فأرسلاه إلى أشهر طبيبٍ نفسيّ بدمشق وهو من الطائفة السنيّة الكريمة، ليُخبرهما الطبيب بأنّ المثليّة هي شيءٌ طبيعيٌّ، موجودة عند الإنسان كما هي عند الحيوان، وأنّ ابنهما لا ذنب له فيها… ولأجل حماية ابنهما منكم أنتم أوّلاً ومن المجتمع ثانيًا، أرسلاه فيما بعد ليُكمل دراسته وحياته الخاصة بسلامٍ في الخارج

أيّها السادة 

قبل أن أختم، أودّ أن أضيف شيئين، أولهما بما يخصّ “مبادئ الدين”: وهو أن الله تعالى الذي كرّم الإنسان وجعله أقدس ما في الوجود حين أمر الملائكة بالسجود له (البقرة 34) لم يضع مبادئ الدين في الكتب السماويّة ليُقدّسها ويخدُمَها، بل لتُقدّسه وتَخدُمه هي، إذ قام السيّد المسيح لأجل كرامة الإنسان بتجاوزها، أوّلاً حين أجرى شفاءاته يوم السبت وهو ما كان لا يجوزُ فعله، وعندما اتهمه الفريسيّون بأنّه لا يحفظ حُرمة السبت أجابهم: “إِن السَّبتَ جُعِلَ لِلإِنسان، وما جُعِلَ الإِنسانُ لِلسَّبت(مرقس 2: 27). وثانيًا حين خالف وصايا الناموس بعدم مُخالطة الوثنيين (تثنية 10: 2)، إذ دَنا مِنهُ قائِدُ مائةٍ وثنيّ يَتَوَسَّلُ إلَيهِ أن يشفي ابنه فعرض يسوع عليه أن يذهب إلى بيته ليشفيه (متى 8: 7). وثالثًا حين أوقف رجم الزانية كما أوصى موسى (تثنية 22: 22)! أمّا الشيئ الآخر هو أنّ السيّد المسيح قد حطّم لأجل كرامة الإنسان أيضًا ما تُسمّونه “العادات والتقاليد في المجتمع” حين لمس المرأة المنحنية الظهر، فقد كان ذلك مُخالفًا للتقاليد، وطلب ماءً من امرأةٍ سامريّة في حين كانت العادات تعتبرُ السامريّين أنجاسًا، بل ووبّخ الفريسيين عليها قائلاً: “رفضتم وصية الله لتحفظوا تقليدكم!” (مرقس 7: 6-13) (مرقس 7: 6-13)مرقس 7: 6-13)

أيّها السادة

كفاكم تجريحًا بجُرحنا، وافعلوا إرادة السماء التي جعلت من متّى العشّار رسولاً وكاتبًا للإنجيل، ومن مريم المجدليّة قدّيسة

أخيرًا، لا يفوتني أن أُعايدكم بعيد الميلاد المجيد، حيث أصبح ذلك المذود الحقير مركزًا للكون، بعد أن يأس يوسف ومريم من استضافة البشر، فوُلِد ملكُ المحبّة والسلام، منذ ساعاته الأولى ليكون في مُتناول من أراد أن يتمثّل بهم: المرذولين والمُحتقرين والمُستبعدين

أردتُ كمثليّ أن أكلّمكم لكي تفهموا, فهل ستفهموا؟