الاختلاف الجنسي ومسؤوليّة الاعلام
بيار ابي صعب
Monday, October 12, 2015
كما لا يخفى على أحد فإن الطريق طويلة وصعبة، في لبنان والعالم العربي، أمام المناضلين من أجل الحريّات الفرديّة، وتحديداً في ما يتعلّق بـ «الأخلاق العامة»
ومصطلح «الأخلاق العامة» يتخذ في مجتمعاتنا بعداً قسرياً من شأنه أن يبرّر، ألسنيّاً وفلسفيّاً وعمليّاً، اضطهاد الأفراد، ومصادرة الحريّات، بإسم الصالح العام (!). الطريق طويلة وشاقة، في لبنان والعالم العربي، أمام المعنيين بتطوير النصوص والنفوس، لمنح السلوك المثلي أو المزدوج أو المتحوّل، شرعيّته وحقّه في الوجود، أسوة بمختلف السلوكيّات الجنسيّة، ومن دون تمييز جندري أو جنسي، بعيداً من قاعدة «الاستقامة» وثنائيّة «الطبيعي/ الشاذ»… الطريق طويلة بسبب كل العوائق الاجتماعيّة والثقافيّة، والسياسيّة والاقتصاديّة، في مجتمعات لم تحقق تقدّمها ونموّها على قادة العدالة وتداول السلطة
وكل مبادرة ستصطدم بوعي ذكوري مهيمن، يخترق كل تجسيدات السلطة الدينيّة والمدنيّة، وكل مراتبها من المختار إلى رئيس الجمهوريّة
قبل أن نخوض معركة تطوير القيم، علينا أن نفهم أن البنى البطريركيّة تحافظ، بكل الوسائل المتاحة لديها، على نفسها وقيمها وامتيازاتها وقوالبها: في التربية، والقانون، وتنظيم الجماعات، وهندسة السلطة، وترويج القيم. وسط هذا الحصار، كيف يبادر المرء من دون أن يضعه المجتمع على قارعته، ومن دون أن يعاقب اجتماعياً، وتغلق بوجهه سبل التعبير والتغيير؟ من أين نبدأ؟
والاعلامي ليس كائناً خرافيّاً يعيش خارج المجتمع، بل هو ابن القيم نفسها، يخضع لتأثيرات تربويّة واجتماعيّة وثقافيّة وأيديولوجية مختلفة. كما أن المؤسسات الاعلاميّة ووسائل التواصل هي جزء من البنى القائمة، بل إنّها في معظم الأحيان من أهم الدعامات لمنظومة القيم السائدة، وتعمل في خدمة مصالح القوى المهيمنة… لذلك يبدو الحديث عن دور الاعلام في هذه المعركة الحقوقيّة والاجتماعيّة على حدّ سواء، أساسيّاً وحيويّاً. عبر وسائل التواصل يمكن أن نخاطب الرأي العام، ونغيّر الأفكار المسبقة، ونهيئ الأرضيّة لاختراق مستقبلي أو تقدّم، على مستوى التشريع في مرحلة لاحقة.
باختصار، لا تقدّم من دون دور محوري للقطاع الاعلامي بكل مكوّناته. لا تقدّم قبل أن تتبلور حالة وعي لدى نخبة من الصحافيّات والصحافيين في مختلف الأماكن والمواقع، لفتح ثغرة في الجدار الكبير
كيف نتناول كل القضايا الاجتماعيّة، والعاطفية، والجنسيّة، والقانونيّة التي تتعلّق بالمثلية الجنسيّة؟ كقضيّة حريّة وخيار شخصي؟ أم كـ «معصية» و«فاحشة» و«جنحة» و… «مرض»؟ لا بدّ من وضع أخلاقيّات وقواعد وقاموس… والاستناد إلى ثوابت علميّة وقانونيّة ومهنيّة. لا بد من اعطاء صورة ايجابيّة، شرعيّة، للمثليّة، والابتعاد عن الاحكام المعياريّة لدى تناول شؤون المثليين والمثليّات، وسلوكياتهم، وحقهم في الظهور واعلان الذات إن شاؤوا
لا بد من ادانة النزعة الاستعراضيّة الفضائحيّة التي نلمسها في التلفزيون، لجذب المشاهدين عن طريق أبلسة المثليين و/ أو السخرية منهم. لا بد لأي اعلامي يحترم مهنته، أن يتغلّب على النزعة الشعبويّة أو العنصريّة أو المحافظة، أن يتخلّص من عاهة فكريّة اسمها «رهاب المثليّة» حين يتعامل مع الوقائع والأحداث، أو يطرح نقاشاً اجتماعيّاً حول السلوكيات الجنسيّة والعاطفيّة
علينا أخيراً وضع جدار عازل بين الفضاء المدني العام الذي يخضع للقانون الوضعي، وبين الفضاء الديني الخاص الذي يلزم هذه المجموعة أو تلك من الناس
حان الوقت لخلق جماعات ضغط، ومد جسور التواصل بين الجمعيّات المدافعة عن حقوق المثليين والاعلام. اذهبوا صوبهم واقنعوهم
ذكروهم أن الاعلامي يصغي إلى الحياة، وينقل الوقائع، ويطرح الأسئلة على نفسه وعلى معاصريه
ليس له أن يقاضي، بل أن يخدم قضايا الانفتاح والتقدّم والعدالة